يعتبر إميل حبيبي من أبرز رواد الأدب الفلسطيني المعاصر، وكان إميل حبيبي أديبا, صحفيا, خطيبا وسياسيا لامعا.
ولد إميل في حيفا عام 1921، وانتقل للعيش في الناصرة عام 1956، حيث مكث فيها حتى وفاته عام 1996، وكان قد ترك وصية قبل وفاته، طالبا فيها بأن يدفن في حيفا، وأن تكتب على قبره هذه الكلمات "باق في حيفا".
درس اميل حبيبي في مدرسة سانت لوكس في حيفا، ثم في ثانوية عكا حيث نال الشهادة الرسمية بالمراسلة مع المعهد البريطاني في الهندسة البترولية، وأكمل دراسته بالمطالعة ثم اتجه الى دراسة الماركسية.
كان ابنا بارا للشعب الفلسطيني والعاشق لمدينة حيفا مسقط رأسه، وكانت بلدية حيفا قد وافقت على إطلاق اسم اميل حبيبي على دوار تتقاطع فيه أربعة شوارع في حيفا، بعد حملة قام بها ناشطون عرب.
عمل إميل حبيبي ورفاقه في الداخل المحتل عام 1948 جاهدين على حفظ الثقافة العربية في البلاد، وساهموا في صيانة اللغة العربية السليمة، وتصدوا للخطة السلطوية آنذاك التي هدفت إلى اعتماد اللغة العبرية اللغة الوحيدة السائدة في المدارس العربية.
انتسب إميل حبيبي الى الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1940، وكان أحد مؤسسي "عصبة التحرر الوطني الفلسطيني" عام 1943، كما ترأس نادي الشعب للمثقفين السياسيين في حيفا. شارك سنة 1946، مع عدد من المثقفين العرب، في إصدار مجلة أسبوعية اسمها "المهماز"، لاقت انتشاراً واسعاً في فلسطين والأردن والعراق. لكنها لم تعش طويلاً.
بعد قيام دولة إسرائيل نشط في إعادة توحيد الشيوعيين في إطار الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وكان أحد ممثليه في الكنيست.
كان من مؤسسي صحيفة "الاتحاد" التي يصدرها الحزب الشيوعي بالعربية عام 1946, حيث مثل الحزب في الكنيست لمدة 19 عاما حتى عام 1972، ثم استقال وتفرغ للعمل الأدبي والصحفي. ترأس حبيبي هيئة تحرير صحيفة "الاتحاد" بين سنتي 1972 و1977، وكان يكتب فيها مقالة أسبوعية موقّعة باسم "جهينة".
تسلم حبيبي من جديد رئاسة تحرير صحيفة "الاتحاد"، التي نجح في تحويلها، سنة 1983، إلى صحيفة يومية. كما شارك في هيئة تحرير مجلة "الجديد".
نشر عمله الأول، رواية "سداسية الأيام الست" عام 1968، وفي عام 1986، وعلى أثر انهيار المنظومة الاشتراكية، أعاد النظر في بعض المسلمات النظرية، وقد تسبب هذا في خلافات فكرية وتنظيمية مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي، قدم بعدها استقالته من جميع المناصب الحزبية التي شغلها، إلا انه بقي عضوا في الحزب الشيوعي حتى عام 1991، وكان قد انضم إليه وهو في الرابعة عشر من عمره.
اميل حبيبي لديه بنتين وولد وهم جهينة، راوية وسلام وزوجته ندى جبران من رام الله، وهو يكون اب جدتي جهينة (ام ابي) كانت هوايته المفضلة صيد السمك، حتى انه قبل أسبوع من وفاته ذهب لاصطياد السمك في حيفا رغم الامه الكبيرة بسبب مرضه. كان طعامه المفضل: الملوخية والمجدرة وكان يحب ان يأكل السمك كثيرًا من الاسماك التي كان يصطادها من بحر حيفا مع ذلك كان يحب ان يأكل كل ما تطبخه جدة أبي ندى (اي زوجته)، كان محبًا عطوفا مع اولاده واحفاده وزوجته بصوره غير عادية وقالت لي جدتي انها لم تر أبا عطوفا محبا لأولاده مثل اميل حبيبي، وكان كل ليلة بدون استثناء يروي قصة من خياله لجدتي جهينة وأختها راوية، قالت لي جدتي جهينة "مكناش ننام الا ميحكيلنا قصة"، كان يلعب "الغميضة" و"الزقيطة" مع اولاده وكان يضرب بالإيقاع على الطاولة ويرقّص بناته (كان يحب ان يزقف ويدندن) وكان يجمع اولاده مع اولاد اخته ويسألهم حزازير وأسئلة بالرياضيات وايضا كان يشتري لهم كتب عن المجرات والكواكب ويشرح لأولاده (كان يهتم ان يشرح لهم). ومن ذكريات ستي- انه ولا مرة ابداً صاح او اهان اولاده او ضربهم وكان دائما لطيف معهم ومع زوجته كما كان له اصدقاء كثر يذهبون معه للصيد أحيانا.
كان أميل حبيبي يرتدي دائما البدلات المرتبة وكان دائما يهتم في أخد رأي جدة ابي ندى في ملائمة لون ربطة العنق مع البدلة. في اوقات فراغه كان يحب ان يكتب، يصطاد، يقرأ الادب العالمي وكان يحب ان يستمع للموسيقى العربية والموسيقى الكلاسيكية، ولكن لم يكن له الكثير من اوقات الفراغ وذلك بسبب السياسة لأنه كان شخص ناشط سياسيا وايضا بسبب الكتابة لأنه كان شخص ادبي، اي كان كل وقته مكرس للسياسة والادب.
كتب بعض من مؤلفاته في الناصرة وبعضهم في حيفا. ومن اهم الاحداث التي حدثت في حياة اميل حبيبي كانت عندما ترك الحزب الشيوعي بسبب الخلاف معه والذي حدث بعد قضية البروسترايكا لان كانت نظرته منفتحة للتطور العالمي، وكان يؤمن انه يجب على الاشخاص الذين لديهم مناصب وكراسي كانوا يشغلونها في الحزب منذ سنوات طويلة أن يتركونها للشباب (الجيل الثاني) من أجل المستقبل. كان هدفه ان يبني جيل ثاني قيادي وأن يبقى بجانب الشباب لتعليمهم وقيادتهم وهكذا يستمر التقدم من جيل الى اخر ولكي يبقى الحزب ثابت ومستمر. لكن الاخرين في الحزب لم يوافقوا على هذه القضية وبقوا متمسكين في كراسيهم ومناصبهم ولم يتركوا الشباب ليتعلموا منهم لبناء الجيل الجديد.
اميل حبيبي هو الذي ادخل الحاسوب الى مكاتب الاتحاد واجبر نفسه بان يكتب بالطباعة وليس بالكتابة ليكون قدوة للمحررين الذين في المكاتب.
اخذ اميل حبيبي ثلاث اعلى جوائز في الادب من دولة فلسطين، فرنسا واسرائيل وتبرع بالمال الذي حصل عليه من جائزة اسرائيل لمستشفى الهلال الاحمر في غزه.
ترشح اميل حبيبي لجائزة نوبل، ولكنه توفى بعد ترشيحه.
بقلم الحفيدة يعاد: "كان جدي يحب اللغة - يلاعبها، يطوعها، يشكلها من جديد بل ويخلقها وكان يحب الاسماء يقال ان أقصر مسافة بين شخصين هي قصة اسم تسأله عن معناه اسماءنا هي انعكاس لذواتنا, هي تصريحاتنا بمن نحن, هي تاريخ عائلاتنا والاشياء التي نؤمن بها هي بيوتنا وحضاراتنا تخبر عن قوتنا او تشي بمخاوفنا. وجدي- احب الاسماء, فاطلق على ابنته البكر اسم جهينة , وفي ثقافتنا العربية يقال " وعند جهينة الخبر اليقين" فهي التي تقطع قول كل خطيب ولا تنطق الا بالحق اليقين. وسمى جدي قلمه السياسي باسمها- فجاءت اسبوعيات جهينة لتضع الخط وتصوب الرؤية فكان اميل حبيبي السياسي. وأطلق على ابنته الثانية اسم راوية، الراوية التي تروي الاحاديث والحكايات، فصان اللغة العربية وكتب أجمل الروايات التي ارخت لشعب وتتبعت نبضاته، فكان اميل حبيبي الاديب. قال: "اني احترف السياسة وأتذوق الادب فأسند الواحد بالآخر" مزاوجة ليس بالاعتيادية- فالسياسة مهمة، وظيفتها السير الى الامام والسعي للتغيير السوي الممكن, وهي مسؤولية الذات عن ابعد من الذات . فجدي السياسي الذي مزقت النكبة اسرته ووطنه، حمل هم شعبه، رأى ابعد من الاني وسعى لحماية البقية الباقية في وطنها من الضياع القيمي والقومي والانساني، ومن الضياع الفكري والمعنوي والفعلي. اما الادب فهو الصدق الانساني، وهو الخيال والطفولة، وهو الحلم والتنفيس عن اهه لا يمكن للسياسي قولها ولا يقوى صدر الانسان عن حبسها. قال جدي: " ادخلتني الشجاعة في ورطة، لم يستطع اخراجي منها الا المزيد من الشجاعة". اذكره اليوم قبل عشرين عاما شجاعا، قاد شعبا في أحلك الظروف، رفض الترويض كما ورفض العنصرية، وطالب الشعوب بتحمل مسؤوليتها الانسانية كشعوب. جدي أحب شعبه حبا جما، قال: " ليس هناك على الارض أقدس من دم الانسان يا بني، ولذلك سميت بلادنا بالمقدسة". اراد جدي ان يحفظ الانسان، فسمى ابنه سلام- وصار يطلق عليه اسم ابو سلام. هو , الذي ادماه الامل, كان ينتظر طوال حياته قدوم الفجر -وازيد انه ربما لا يزال يحلم بالسلام الى يومنا هذا. كتب جدي مقالته السياسية في مدينته التي احب- حيفا, تلك المدينة وملاعب صباه التي أفرغت من ابناءها. وكتب قصصه ورواياته في مدينته التي احب ايضا- الناصرة, تلك التي اختار فيها ان يبني بيتا وينشأ أسرة. فوق مكتب خشبي غطت قاعدته صورنا نحن الابناء والبنات, الحفيدات والاحفاد , محاطا بدفء الجدة ندى كتب جدي مرثية لوطنه الضائع الذي سكن فيه وسكنه. امام مكتبه في الناصرة كان يجلسنا نحن الحفيدات ويقرأ علينا كتاباته, كنا في عمر السادسة او السابعة, مغمورات بأهمية الموقف نجلس امامه نستمع لإلقائه , كان جدي يتمتع بالتأليف ويتمتع بالخطابة أيضا, تبرق عيوننا حين ينتهي, نهز رؤوسنا ونقول:" بتكتب حلو سيدي" , يوما فاجأني سؤاله: " شو فهمتي حبيبتي؟" ولا أتأخر بالإجابة- " ولا اشي بس بتكتب حلو سيدي" , فيقول لا بكرا بتكبري وبتعرفي انك فهمتي. كبرت واستمرت العادة يكتب يجلسني امامه أهز رأسي ثم يسأل-شو فهمتي حبيبتي؟ كبرت، اختلف السؤال وتغير فصار "شو رأيك سيدي؟" رأيي, كان متلعثما في البداية وصار اوضح مع الوقت. كبرت وفهمت ان جدي لم يريدني ظلا او استنساخا عنه، ارادني حيه. كما في رواياته، الشعوب حية والشخصيات حية - تتغير، تنمو وتنضج فالاستكانة من سمة الاموات. فهمت مع الزمن ان جدي بمواقفه اعطانا فضاءا حرا لننمو، لنختار لنناقش ولنختلف. اذكر ايضا انه كان يقول عن نفسه – " انا انسان مؤمن، مؤمن بالعلم ومؤمن بالعقل ومؤمن بإنسانية الانسان" . وما لا تعرفه الاغلبية ممن تابعوه كسياسي او قرأوه كأديب، أن هذا المؤمن كان نابغة في الرياضيات، صفة ورث بعضنا اياها منه. أحب جدي ان يتحدانا في لعبة الشطرنج وللحقيقة أحب ايضا ان يربح! هذا المؤمن سحرته علوم الفيزياء والفضاء والنجوم، فكان يشتري لنا الكتب عن التكوين ويطلب منا تلخيص اهم افكارها له لأنه يحتاجها وبشدة، لمقالاته القادمة. ننطلق كالصاروخ، محملات بالمسؤولية، كلنا فخر بالأهمية التي ألقيت علينا – فنحن اليوم سيصير لنا باع في مقال الغد. ننطلق كالصاروخ - نقرا ونلخص ونفرح بجدنا اميل وبفرحه منا حين يجلس محاورا لنا عما فهمناه. يسألنا فنجيب، يقهقه ويقول: انا انسان مؤمن،
اومن بالعلم واومن بالشباب، بكم. نفرح اذ ندرك ساعتها اننا لسنا جزءا من مقال الغد، بل نحن الغد."
Comments